يشك فيها .. وتشك فيه !!
من أفتك الآفات النفسية التي تصيب الشعوب والمؤسسات والأسرة فقدان الثقة بين أصحاب العلاقة بشتى أنواعها ومستوياتها .
ولن أسبر أغوار هذه الإشكالية القيمية التي تودي بالمجتمعات إذا شاعت فيه، لكني في هذه السطور سأتحدث بإيجاز شديد عن الثقة المفقودة في أهم لحمة اجتماعية في حياة الإنسانية، ألا وهي الأسرة لاسيما إذا انهارت الثقة بين قطبيها، الزوج والزوجة .
فمن خلال الاجتماع والحوار والإصغاء للمشتغلين في الاصلاح بين الزوجين أو المختصين في العلاقات الأسرية أذهلني ما سمعته منهم عن ارتفاع معدلات الطلاق لدى الجيل الجديد بسبب تسلط نيران شك أحد الطرفين بالآخر أو تبادل الشك المزدوج !!
ومن بدهيات الزواج أنه يقوم على الحب والاحترام وقناعة كل منهما بالسمات الشخصية وأخلاقيات شريك حياته وبهذا تتحقق الثقة التي تعتبر الثمرة لتلك الروافد التي يسقيها ماء الخلود .
وهنا يأتي التساؤل المر : من أين يتسرب الشك للزوجين في الطرف الآخر ؟
الجواب لا يختزل بمقال ولا يصلح فيه انطباعات عامة قد تشير إلى بعض ما هو صحيح ولكن يحتاج إلى دراسات ومناقشات وخطة توجيهية لمكامن الخلل المتشعبة والمتداخلة.
فقد نشير ابتداءً إلى سوء اختيار الزوج أو الزوجة ومناقشة ذلك مفصلا لدى أهل الاختصاص،
ويتبعه العلاقات المفتوحة بين الأجيال التي ابتليت بالـ (ترقيم) وبيع أوهام الحب الخادع وسهرات المجون المختلطة.
وزد عليها التراجع الإعلامي القيمي، فبعد أن كانت التلفزيونات سواء الحكومية أو الخاصة قبل سنين ليست بالبعيدة تبث برامج توعوية تناقش المشكلات الاجتماعية، أصبح اليوم بث هذه القنوات لبرامج يغلب عليها التسلية والإلهاء على حساب المعالجات الاجتماعية وتعزيز القيم الأخلاقية نزولا عند رغبات بعض صناع سوق الإعلان الذي تحول إلى ما يشبه النار التي تلتهم كل شيء ولا تشبع وتبحث عن المزيد حتى تزداد تسعرا ولو على حساب أمننا الاجتماعي وقيمنا الأخلاقية.
وفي ظل سهولة الحصول على الأجهزة الذكية واستسهال بعض مستخدميها في ولوج برامج التواصل الاجتماعي أطلت علينا فظاعات اجتماعية وغزتنا مفاهيم لا أخلاقية أفسدت المزاج العام ونزعت عن كثير منا الحياء الذي كان يستر مجتمعاتنا وأخطاءنا، حتى لم يعد أحد منا ينظر بعين التعظيم وكثير الخجل مما يُعرض فيها، بل إن بعض أبنائنا المصلين وبناتنا الملتزمات وقعوا في شباك الشك والريبة ما أدى إلى انهيار بيوتهم وتبعثر حياتهم الزوجية، وهنا قد يسأل البعض هل يقع الطلاق في الصالحين والأخيار؟ والجواب قطعا نعم وألف نعم، يقع، وقد وقع أيام أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام ( يا أيها النبي اذا طلقتم النساء ) لكنه كان طلاقاً ناجحاً ناضجاً يدور في فلك حل المشاكل لا تأزيمها ويدور في إطار ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)ويستمر بعدها كلا الزوجين في استئناف حية طيبة سعيدة، لأن أسس الطلاق كانت مرتبطة بعدم الانسجام أو التوافق، وليس الشك بالأخلاق وما يستتبع ذلك من انهيار يتعدى ألمه النفسي ذاتيهما لتطال شرارته أسرتيهما ومجتمعهما ما يؤدي لشيوع فكرة «الفساد الأخلاقي» وما يستتبعه من دمار المجتمعات.
ومع العيش في ظلال الشك وتصويب كل زوج لشريك حياته سهام الشك، كيف – بالله عليكم – يواجه كلا الطرفين المشكوك فيهما الحياة والناس .