«كانت لنا أيام في صالون العقاد» كتاب ماتع، استمتعت بقراءته في المرحلة الجامعية رغم الملحوظات العديدة على كثير مما جاء فيه.
لقد سرد مؤلفه أنيس منصور الحوارات والمناقشات والطرائف واللطائف التي دارت في هذا الصالون الثقافي في القاهرة في حضرة الموسوعي عباس محمود العقاد مع الادباء والشعراء والفلاسفة والمؤرخين والمستشرقين.
وفي الصالونات الادبية فرصة لأن يمتحن الانسان افكاره ويطبخها ويغربلها من خلال عرضها على النخب المتنوعة، فيا لها من خدمة مجانية تصب في صالح كل باحث ينشد الارتقاء في دراساته.
وهذا ما كان يحصل في صالون المفكر الجزائري (مالك بن نبي) وغيره وقد حرصت على حضور بعض الصالونات الثقافية وتتبع اخبار اخرى مما لها اثر معرفي ظاهر مثل صالون عبدالمقصود خوجة في جدة (الاثنينية) وقد حضرتها وانا في رحلة الدكتوراه في أم القرى، واقتنيت مطبوعاتها الممتازة، وصالون الاديب عبدالعزيز الرفاعي في الرياض ومجلس الشيخ احمد بن علي المبارك في الاحساء (الاحدية) وغيرها.
في ليلة الاثنين الماضي جمعتني سهرة في صالون او مجلس الشيخ محمد بن ناصر العجمي مع ثلة متنوعة من اهل المهتمين والمختصين بالعلوم والآداب احتفاء بضيف الشرف الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة الفتوى وكبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
وكان من ضمن الحضور الذين شاركونا الحوار واثرونا بالفوائد والتعليقات الدكتور حسان الطيان عضو مجمع اللغة العربية بدمشق واستاذ العربية في جامعتي الكويت والعربية المفتوحة، والدكتور نظام يعقوبي مستشار المصارف الاسلامية المعروف، والدكتور الشاعر عواد برد العنزي، وغيرهم من الفضلاء.
وقد بدأ الشيخ محمد بن ناصر العجمي كلامه متوجهاً للشيخ عبدالله المطلق قائلا أن من الكتب اللطيفة في القرن الماضي التي ألّفها مفتي الكويت عبدالله النوري كتاب (من غريب ما سألوني) فهل بالامكان ان تتحفنا ببعض او آخر غرائب الاسئلة التي طرحت على فضيلتكم؟
وهنا ذكر الشيخ المطلق غرائب وعجائب، ولكن الاغرب هو مهارة الشيخ وسجيته في الاجابة…فنحن هنا امام العجب من طرافة السؤال والسائل وذكاء وبداهة ولطافة الجواب والمجيب، ولذا دعوت مرافقي الشيخ ان يجمعوا هذه الاسئلة والاجوبة لما فيها من علم وامتاع.
معرفتي بالشيخ عبدالله المطلق كانت في دمشق بمؤتمر في معهد أبو النور، وهناك تعلمت منه معنى تواضع العلماء. كنت اجلس بجواره في المؤتمر ولما جاء دوري في التعليق وتناولت منهج محمد عابد الجابري بالنقد في نقده للتراث، ثم تطرقت الى موضوع المرأة وسردت بعض المراجع العربية والاجنبية، كان الشيخ يكتب اسماء المراجع وبعد التعليق طلب مني أن ازوده بما فاته من الكتابة. وهذا شأن الشيخ حفظه الله حتى في مجلسنا الاخير في صالون بن ناصر العجمي،ي حيل على المختصين في النقاش ويدوّن ويطلب من مرافقه أيضاً التدوين، وقد سجل كل ذاكرته عن الموضوع الذي اثير اخيرا حول تفسير الحروف المقطعة في القرآن باللغة الارامية وشاهد الفيديو ثم اكمل المشاهدة للردود وانا بجواره على وليمة العشاء.
الشيخ المطلق… نموذج للفقيه الداعية بالحب والرحمة الذي يحسن التسامح في الفتوى وليس التساهل.
ولما جاء الحديث عن الزندقة والإلحاد، ثم عن برنامج سواعد الاخاء – الجزء الرابع الذي تم تسجيله بتركيان تشعب الحديث الى ان ذكرت له تجربة الملحد المصري استاذ الفلسفة منصور فهمي الذي تخرّج في«السوربون» في موضوع المرأة وانتقص القرآن وهو صاحب عبارة «الإنسان وحده لا شريك له»، وذكرت توبته ثم مقالته النثرية الرائعة التي كتبها في «خواطر نفس» تحت عنوان «أنت أنت الله»، فاستحسنها الشيخ واستدرك عليها، كان مجلسا لطيفا والمشاركات كثيرة ضمنها الشاعر عواد بقصائده والشيخ بالحديث عن أهمية تدبر القرآن وخرج مسرورا بارك الله في علمه وجهوده.