بعد لقائي برجل الأعمال السعودي نجيب الزامل والكاتب في جريدة «اليوم» وجريدة «الاقتصادية» السعوديتين في برنامج قذائف على قناة «الراي»، وكان موضوع الحلقة حوار حول تجربته من الشك إلى اليقين، جاءته كما أخبرني عشرات الرسائل من سائر انحاء البلاد الإسلامية من الشكاك او الحائرين او اللا أدريين او الملاحدة المؤدلجين وبعض محبي المعرفة وبعث لي هذه الرسالة من جملة ما وصله لشاب عاش محنة الشك في يقينه الذي نشأ عليه وانشرها للفائدة اذ تمثل حالة لنماذج عديدة إما أنها كبتت مشاعرها واكتفت بقلقها الفكري لذاتها ومحبيها الخلص وإما أنها لم تجد إلى الآن من تفتح معهم حديثاً مطمئناً آمناً عن عاصفة التساؤلات الموجهة كالسهام لثوابت اليقين…
قال الشاب الحائر: «شاهدت مقابلة الشيخ العوضي، فأنا شاب سعودي في العشرين من عمري، من عائلة كبيرة وملتزمة، وأحب القراءة، بدأت القصة حين حصل لي بعض الظروف الصعبة فأصبت بمجموعة من الأمراض دفعة واحدة. في نفس الوقت مرض والدي ووجب أن أتحمل المسؤولية فجأة وآخذ مكانه. كنت شاباً مدللاً متعوداً على الرفاهية وليس لي خبرة في الحياة فكان تحمل المرض والمسؤولية صعباً جداً عليّ.
تزايدت المتطلبات والأدوار التي يجب أن أؤديها دون أن ابدي ادنى تعب او معارضة. وتزيد ظروفي الصحية سوءاً دون أن يفيدني شيء من العلاج، وينشغل عني الجميع وأبحث عن أصدقاء يعينوني فلا أجد، فيثير كل ذلك أعصابي. ويملأني بكراهية ذلك اليوم الذي نلت فيه أسوأ عقوبة سماوية دون ذنب مني. بدوت مع الأيام أكثر هدوءاً وتعقلاً واستسلمت نوعاً ما للأمر الواقع ولكن كأن كبح تصرفاتي الغاضبة جعل عقلي يولد التساؤلات داخله… لماذا يفعل بي الله هكذا؟ لماذا يقسو عليّ كثيراً ثم يقولون: إنه رحيم بنا؟ يقولون: ينزل علينا البلاء كي يختبر صبرنا ثم يجازينا… فإن كنت أنا لا أريد الجزاء وغيره متحمس له… فلماذا يجبرني على الاختيار؟! ثم وكأن الشيطان استوطن عقلي وأطبق عليه تماماً. حاولت ان أخشع وأتدبر في صلاتي كي يتركني الشيطان، حاولت أن أقرأ القرآن الكريم لعله يهرب لكن محاولاتي كلها باءت بالفشل والأسئلة تزداد بشكل رهيب حين أحاول اللجوء إلى العبادة. ما الذي دهاني؟ وكيف أتجرأ على هذه المساحات المحظورة والمقدسة التي لا يجوز لي ان أقترب منها؟! هذه الأسئلة صارت محور حياتي… الأسئلة التي قضت عليّ! لم أعد استطيع ممارسة حياتي الطبيعية… انخفض وزني كثيراً… أصبت بفقر دم حاد جراء فقدي الشهية… كنت أفكر في الانتحار وأتراجع لأجل والدتي التي أخاف عليها من بعدي. اتصلت بأحد المشايخ… وكنت أخشى من أن يزل لساني وأقع في المحظور فهذبت اسئلتي وسألت الشيخ بحرص شديد… بعد أن سمع ما عندي، قال لي: «هل تعرف مدى التخبط والضياع الذي أنت فيه؟ هذه أسئلة لا تسأل ولا يجاب عنها… استغفر ربك وتب إليه». ورفض اي محادثة أخرى! اتصلت بشيخ آخر، فقال لي: أعوذ بالله منك ومن أفكارك أيها الملحد… وقطع الاتصال أما الثالث فعاهدت نفسي على ألا أتصل بأي من المشايخ مجدداً ولكني عدت وبعثت أسئلتي إلى سبعة وثلاثين شيخاً لعل أحداً منهم يساعدني بكلمة… وبكيت ودعوت من كل جارحة في قلبي واستجاب لي ربي بدءاً من فجر ذلك اليوم. جاءتني إلهامات ثلاثة هذا الأسبوع… وصلتني رسالة جميلة وناصحة من شيخ مقيم باستراليا، ثم وصلتني رسالة مريحة من رجل دين كبير، وثالثاً: جاء اللقاء بالشيخ العوضي، ويا للمصادفة، حول الضياع والشكوك! فكان هذا مسك الختام… وعرفت الآن أن الله يحبني… ولم، ولم أترك الصلاة».
هذه رسالة الشاب المليئة بالصدق في البحث عن الحقيقة ومحاولة تجاوز الشكوك التي أخذت بناصيته وملأت عليه حياته جحيماً، لاحظوا بعض العوامل التي ساهمت ربما في مأزقه الفكري، أولاً تربيته المدللة ثم هجوم الابتلاءات فجأة، والمدلل دائماً يكون مصدوماً بالتحديات!! ثم بلاء عدم وجود أصدقاء مخلصين يقفون بجواره عند مصائبه، ثم خوفه من مفاتحة المشايخ في فك الألغاز حول مفهوم القدر والخلق والأهم مشكلة الشر في الكون التي يعتبرها الملحد هاملتون (Hamelton) صاحب كتاب (الجوهر الجديد للمسيحية) أكبر أثر على الناس الحساسين المصابين بالآلام! واعتبرها العقاد في كتابه عقائد المفكرين في القرن العشرين السبب الخامس في الالحاد الذي يشترك فيه القدماء والمعاصرون. ثم جاءت نكبة المشايخ المنفرين الذين تجاوزهم الواقع والجيل والزمن… مشايخ يكتفون بالانكار الجاف والاستعاذة من السائل المتلهف للحق الباحث عن مخرج من الحجيم الذي هو فيه، لم يكن الشاب ملحداً، كان حائراً يبحث عن اجابات مقنعة، وما أسهل إجاباته، وللعلم فإن الذي أراحه في حلقتي ليس كلامي وانما حديث نجيب الزامل الذي كان يحكي عن ذات التجربة ولكن بملابسات أخرى، اننا في حاجة أولاً ونحن ندعو الناس الحائرين ان نحبهم ونشفق عليهم ونتمنى لهم الخير، وبغير الحب والعلم لن ننجح بل ربما يتحول الشيخ إلى مؤكد لإلحاد وشكوك الملاحدة بطريقته المغرورة أو القاسية رغم صدقه لذا سيكون الليلة معي نجيب الزامل في تمام الساعة الثامنة في برنامج قذائف على «الراي» ليروي لنا – بعد تجربة شكه – تجربة دعوته لغير المؤمنين فهل يجوز أن نتعلم فنون الدعوة المعاصرة من حليق اللحية عاش شكاً طويلاً في حياته!!
د. محمد العوضي