كيف تستقبل أمنية شاب يستشيرك في تأليف كتاب يكشف فيه تناقضات أشهر ملحد في العالم وتلبيساته ومغالطاته؟!
إنه عالم الأحياء التطوري البريطاني البروفسور ريتشارد داوكينز.
هذا ما حصل معي في الفندق الذي أقطن فيه بمدينة الرياض.
طلب زيارتي هاتفيا وشرفني الشاب سامي بلقائه، طويل القامة نحيل الجسد حنطاوي البشرة هادئ الطبع رقيق النبرة.
حاصل قصته أنه عكف زمناً على مشاهدة عشرات المقاطع المتلفزة من حوارات شيخ الملاحدة داوكينز، وما يزخر به «يوتيوب» من برامج ومناظرات ومحاضرات وفقرات في قنوات أوروبية وأميركية وكندية وغيرها.
لكنه أعاد مشاهدتها وقارن بين إجاباته وتفسيراته وتحدياته وسخرياته وقام بفرزها، فذهل من حجم ما تحتوي عليه من ثغرات وتناقضات، ثم رجع بعد مقارنة المشاهدات وما يكتنفها من مفارقات بمقارنتها بما كتبه داوكينز ذاته من مؤلفاته (الجينة الأنانية) و(صانع الساعاتي الأعمى) و(وهم الإله)، فازدادت قناعته بكشف الجانب العبثي المتمثل بالنزعات الفكرية والفلسفية والنفسية والاجتماعية والمنطقية والأخلاقية، التي لا علاقة لها بتخصصه الأكاديمي البحت، وإنما بأهدافه الأيديولوجية ومواقفه التعصبية، وكثيرا من الأحيان بمزاجه الشخصي ومكاسبه المصلحية.
شجعته ووعدته أنك إذا انتهيت من كتابة ملاحظاتك ونقدك فإنني سأتشرف بتقديم الكتاب .
وها هو الكتاب بين يدي وبعد أن انتهيت من قراءته أدون هذه الإضاءات:
• • لماذا الاهتمام لأطروحة شاب في باكورة عمله الثقافي يتناول موضوعاً شائكاً بهذا المستوى المعرفي؟ لأنه نموذج للجيل الجديد المنفتح على العالم بلا قيود ولاسدود في عالم الاتصالات العابرة للقارات.
نموذج لأنه استطاع أن يتخلص من وهج الانبهار بالأشخاص مهما كانت مكانتهم العلمية وحضورهم الإعلامي، بل تجاوز الانبهار إلى كشف سقطات خصمه العالم (داوكينز) ودمغها بأنها مضحكة، وهي كذلك.
هو نموذج للجدية في البحث والتنقيب والتأني في اتخاذ المواقف ذات الأبعاد الملتبسة.
** أعجبني في بحثه دقة ملاحظته واكتشافه ما يغيب عن بعض أقرانه من شبابنا:
وفي كلا الموضعين يطلعنا المؤلف على إجابات الملاحدة التي تجمع بين اللغو والعبث والكبر والشطح والعداء لإنسانية الإنسان.
•• بقي السؤال: ما علاقة القطط بالاتجاهات الإلحادية ولماذا إقحامها بعنوان الكتاب؟ ورد وصف قطيع القطط في الكتاب ثلاث مرات أولها في منتصف الكتاب قال الشاب سامي:
يقول داوكينز «إن قيادة مجموعة من الملحدين أشبه بقيادة قطيع من القطط»، والمعنى أن لدى كل واحد منهم تفكيرا مستقلا عن الآخر.
لكن المؤلف في لفتة ذكية يسلط الضوء على الجامع المشترك بين الملاحدة، وأكد أن من الملاحدة خوارج في إلحادهم وحسب تعبيره (الخارجون عن ملة الإلحاد الصحيحة )!!
والمرة الثانية بنبرة فيها حدة لكنها في موضعها في معرض رده على داوكينز عند دفاعه عن مجازر الملاحدة، ختم سامي رده بقوله (أليس كذلك ياقطيع القطط) ؟!
وفي نفس موضوع تبرئة الملاحدة للإلحاد من الإبادات البشرية، وبعد ذكر المؤلف شهادات كذب الجزارين الملحدين على استباحة دماء البشر يقول سامي:
«هل يتفق جميع أفراد قطيع القطط على ذلك المنطق؟ أم أصبح لكلمة «قطط» أيضا معان أخرى لا يفهمها غير الملحدين»؟ وأخيرا فقد بين في مقدمة كتابه أن مناقشاته ليست مع عامة ملاحدة العرب من النوع الذي لا ينفع معهم منطق ولا يقنعه دليل، وإنما مع المتشككين بهدف مساعدتهم على الخروج من دوامة الشك.
لقد استمتعت بالكتاب، ورغم ما لدي من ملحوظات وتعليقات توضيحية أو استدراكات، وهذا شأن طبيعي، فإني لم أتدخل في النص المكتوب، وننتظر تفاعل القراء بشتى اتجاهاتهم ومايبدونه من آراء تثري الكتاب والكاتب والقراء ليطور بحثه وتعم الفائدة.