هل فنادق مكة المكرمة – لا سيما المحيطة بالحرم- مُسيرة أم مُخيرة؟ قد يبدو السؤال للوهلة الأولى انه في غير محله؟ فما دخل سؤال يخص قضية عقائدية شغلت ولاتزال عقول علماء الشريعة والمفكرين وعلماء الأديان وعامة الفلاسفة إلى يومنا هذا بفنادق سكنية سواء كانت تحيط بالحرم أم تتناثر حول بحيرة سياحية ساحرة آسرة؟
من حق القارئ أن يجتهد ويُخَمِنْ بأن السؤال عبارة عن سطر من مقال آخر سقط سهواً من الطبّاع فأدرجه في مقال آخر، أو يظن القارئ بأن كاتب المقال مر في لحظة فناء صوفي عنيفة من الدرجة السابعة التي يقول بها الفيلسوف محي الدين بن عربي، فوقع القلم بالشطح من شدة جذبه لحال القوى التي أخذت بمجامع كيانه الباطن والظاهر؟
والصحيح انني أحاكي الشيخ محمد الغزالي في كتابه عقيدة المسلم حيث قال تحت عنوان «إجابة ساخرة»: سألني سائل: هل الإنسان مُسيّر أم مٌخيّر؟ فنظرتُ إليه في ضيق شديد، وقررت أن ألتوي معه في الاجابة، كما التوى هو مع فطرته في هذا التساؤل وقلت له: الإنسان نوعان: نوع يعيش في الشرق، ونوع يعيش في الغرب، والأول مُسَيّر والآخر مُخيّر!
ففغر الرجل فاه عن ابتسامة هي بالضبط نصف تثاؤب الكسالى والعجزة والثرثاريين الذين ينتشرون في بلادنا.
ثم قال: ما هذا الكلام؟ انني أسألك: هل للإنسان ارادة حُرَّة وقُدرة مستقلة يفعل بهما ما يفعل ويترك ما يترك، أم هو مجبور؟!
فقلت له: قد أجبتك، الإنسان في الغرب مُستقل وفي الشرق مُستعمر. هناك له إرادة وقدرة، وهنا لا شيء له!!
فضحك أحد الظرفاء وقال: هذه إجابة سياسية.
فقلت: وانها لدينية كذلك… يا رجل إن القوم في الغرب شعروا بأن لهم عقولاً ففكروا بها حتى كشفوا المستور من بدائع الكون، وشعروا بأن لهم إرادة فصمموا بها، حتى التقت في أيديهم مصاير الأمم وأزمة السياسة، وشعروا بأن لهم قدرة، فجابوا المشارق والمغارب، وصنعوا الروائع والعجائب. أما نحن فهذا… رجل من أُلوف الألوف التي تُزحم البلاد، يأتي ليستفتي في هذه المعضلة التي غاب عنه حلها. انه حقاً عقل حر يستطيع أن يفكر به؟ ألهُ إرادة يستطيع أن يعزم بها؟ ألهُ قوة يستطيع أن يتحرك بها؟
وإلى أن نثبت له نحن ذلك، سيبدأ، فيفكر، ثم يعزم، ثم يعمل. أما الآن فهو- فعلاً- مُسيّر من ذلك الرجل المخيَّر في الغرب… ما أبعد البْوْنَ بين الشخصين!.
ولك أن تتساءل ما علاقة إجابة الغزالي بفنادق مكة المكرمة؟ والجواب ان الغرب عندما امتلك أسباب القوة وأدواتها وتربع على كنوز الأرض استطاع أن يُسيِّر الشرق، أما الذي رأيته الأسبوع الماضي في مكة المكرمة وضَجر منه وفود العُمّار الطائفين بالبيت الحرام هو شعورهم بأن فنادق مكة المكرمة مُسيّرة وليست مُخيّرة!! والمحزن أنها مُسيّرة- ليس العموم بالطبع- بما يُفسد عمرة المعتمرين وعبادات القاصدين، وقلوب الخاشعين! كيف يكون ذلك؟ ولمن يوجه اللوم والنصح الصادق؟…
إلى المقال المقبل بإذن الله تعالى.
د.محمد العوضي