الكلام الصريح عن صهاينة العرب صعب بل ورطة ليست هينة، لأنه يحتاج أولاً الى الوقوف عند معنى كلمة صهاينة العرب، ثم درجة هذه الصهيونية، وبعد ذلك أنواعها، ثم ضرب أمثلة تاريخية وعملية مدعمة بالوثائق والبراهين وان كان بعضها اصبح في حكم البدهي ليس عند المتابعين والمتخصصين فحسب وانما عند الجماهير الغفيرة المقهورة.
وأصعب ما في التصريح عن صهاينة العرب الحديث عن السياسيين الكبار، والكبار جداً جداً، إلا اذا ماتوا وبعضهم حتى بعد أن يموت لابد أن تنتظر لكي تسمح الظروف وتتغير المعادلات المحلية المرتبطة بالعلاقات الخارجية.
وأسهل ما في الحديث عن صهاينة بني جلدتنا، ذكر مثقفي الصهينة العربية وأشياعهم من مثقفي المارينز العرب.
ولعل كتاب «المثقفون العرب واسرائيل» للدكتور جلال أمين أحد هذه الكتب التي تسلط الضوء على المتراجعين من مثقفينا السياسيين الذين يرون في اهمال مبادرات السلام السابقة وفرص التنازلات القديمة خسارة كبيرة أمام ما يحصل اليوم من دمار شامل على صعيد الخسائر المتوالية سياسياً وعلى أرض الواقع العربي. ويبين أمين سذاجة أو خبث تلك الاطروحات التي سرعان ما تصف كل من يحذر من التخطيط المحكم للاسرائيليين بأنهم ضحايا «نظرية المؤامرة» وكأن ليس في الدنيا ظاهر وباطن في عالم السياسة وأن ما يحاك من أجندات سرية شيء وما يعلن شيء آخر… وهذا يذكرنا بمقال رائع كتبه الزميل أحمد الديين «الراي» بعنوان «نظرية البلاهة» رداً على الحالمين أصحاب نظرية نفي المؤامرة!! كتاب أحمد أمين يهتم بالافكار أكثر من أصحابها ويناقشها بعيداً عن قائليها. أما كتاب بلال الحسن «ثقافة الاستسلام» فإنها قراءة في أفكار وأطروحات كتاب بعينهم وردت أسماؤهم على غلاف الكتاب وجميعهم يروجون ثقافة التخذيل بذكاء، كنعان مكية وحازم صاغية وصالح بشير والعفيف الأخضر وأمين المهدي… اننا نستطيع أن نتكلم عن هذا الطابور الذي يزرع اليأس ويدعونا الى الرضى بالواقع ويجعل من اختلاف ميزان القوى المرجع النهائي للفهم ويحرض على تفتيت المفتت من هذا الكيان العربي المسكين، لكن الصهاينة الكبار يصعب الحديث عنهم ونترك اكتشافهم لذكاء الشعوب المقهورة، الا ان صهاينة العرب كلما ازداد قربهم من القضية الفلسطينية ومأساتها كانت صهيونيته أكثر أصالة من غير الاباعد من رفاق دربه من التآمر والتصهين.
لن أذكر اسماً بعينه لكن ادع الدكتور والمفكر السياسي الكويتي عبدالله النفيسي يشخص أحدهم، اذ انه يملك من الشجاعة الادبية ما لا يملكه غيره، فقد قال في قناة «الجزيرة» في برنامج «بلا حدود» على الشعب الفلسطيني أن يعلق دحلان من أصغر اصبع في قدمه ثم يقوم برجمه. وكلام النفيسي هذا قديم، قبل معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل التيار الاستئصالي للانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25/1/2006، وفازت فيها حركة المقاومة الاسلامية «حماس» بأغلبية ساحقة.
ماذا كان سيقول النفيسي لو كان حديثه بعد هذه الفظائع، وبعد حصار غزة الأخير وقطع كل مقومات الحياة عنها مع الحصار المرعب والفشل العربي المحزن، ترى من الذي يستحق التعليق والرجم من صهاينة العرب، لا تسألوا النفيسي فحسب، بل اسألوا أنفسكم وتذكروا قول المتنبي:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
د. محمد العوضي