في بلدي منجزات إنسانية وخيرية عظيمة وخالدة، وما كانت هذه المنجزات لتتحقق على أرض الواقع ويشهد لها العالم لو لم يقف وراءها رجال ونساء عظام في نفوسهم وأفكارهم، حملوا هماً بين جوانحهم وبذلوا وقتهم وعاشوا أيامهم يفكرون ويتأملون في كيفية إنجازه، ثم انتقلوا من التفكير إلى التدبير، فسقوا بذور مشاريعهم بماء الحب والإخلاص والمثابرة، وبحثوا عن الصادقين فتعاهدوا وتعاونوا معهم فأنبتت بجهودهم الخير ثم أثمرت فكانت لوحة من عطاءات نفخر بها وصارت مثالاً يحتذى.
في مقابل هذا الإطار الزاهي واللوحة الإنسانية المشرقة في بلدي، بتنا نسمع أصواتاً تعلو هذه الأيام بنبرات تسعى لخلط الأوراق وتعمم الأحكام الظالمة وتهدر مكانة مَنْ يشاطرهم الانتماء للإنسانية أولاً وقبل أي انتماء آخر وتسعى للتخوين أو التهوين من إنجازات الآخر وولائه للبلد وتفانيه في خدمته وإخلاصه.
فمَنْ قال إن من شروط العدل والإنصاف مع الآخرين أياً كانوا – حتى من العمال الوافدين -معرفة أصولهم أو أعراقهم أو أديانهم أو أي صفة أخرى سوى بشريتهم!!
«العدالة فوق الانتماء» هذه هي القاعدة الكبرى التي ننادي بها بأعلى أصواتنا دائما في وجوه العنصريين في كل مكان مرددين قول الله تعالى:
«ولقد كرمنا بني آدم» بل إن هؤلاء العنصريين يتجنون في تعاليهم المريض وانتقاصهم المرذول على الكثيرين ممن هم أفضل منهم خلقاً وأمانةً وإخلاصاً، وأنفع للبلاد والعباد وأحرص على الكويت من بعض تلك الحفنة الذين يكيلون التهم لإخوانهم بالنقيصة وضعف الانتماء ويردد المفردة المحلية الجاهلية المعاصرة «لفو» ليدمغوا بها غيرهم!
حتى إن الناس بدأوا يتداولون مخازي بعض هؤلاء العنصريين في إضرارهم ببلدهم وكشف المعنى القبيح والمختزل والمتخلف لكلمة المواطنة عندهم!
وقد يعجب البعض ويتساءل كيف تصدر نزعات الجاهلية الأولى من أناس في القرن الـ 21 وقد يكونون من أصحاب الشهادات العلمية الرفيعة أو يتبوأون مناصب كبيرة تتطلب قدرات ومهارات وخبرات أو مثقفين أغرقوا المجتمع بالتنظيرات الفكرية في منتدياتهم وخطوا ذلك بحبرهم ردحاً من الزمن؟!
والجواب ببساطة إن العنصرية وسائر العصبيات إن لم تهذبها التربية المُبكرة وتُسقى بقيم العدالة وترعاها ثقافة مجتمعية عامة تقوم مؤسسات بتبني الخطط لتهذيبها لمدد زمنية طويلة فإن ما نشأ عليه العنصريون سيغلبهم، وسيتحكم بهم ما رضعوه من بيئاتهم الاجتماعية بل وللأسف ما عززه لديهم محيطهم الثقافي والقيمي!!
مسلسل الانحطاط العنصري بدأ بدعوة رخيصة لمنابذة الوافدين والسعي للانتقاص من حقوقهم الإنسانية الواجبة كالطبابة والتعليم والسكن والدعوة لفرض ضرائب ورسوم غير منطقية ومن دون خدمات مستحقة، وحينما تم السكوت عن هذه الدعوات العنصرية المريضة ارتفعت الأصوات النشاز بالطعن بأصول أهل البلد، وإن لم يتم الأخذ على أيدي السفهاء ومنعهم من التبشير بهذا السوء، أخشى أن نشهد يوماً نندم فيه على ما كنا نعيشه من محبة ووئام ورخاء.
وكما كنا نفخر بما قدمه «محسنون من بلدي»، فإننا أصبحنا اليوم نحزن ونتألم للأطروحات العنصرية وبتنا يقع علينا واجب أخلاقي يتمثل في أن نغسل ما علق بسمعة الوطن من إساءات أولئك الذين يندرجون في خانة «عنصريون من بلدي».
https://www.alraimedia.com/article/741729/مقالات/عنصريون-من-بلدي