«وبدأت أصواتهن ترتفع بأسئلة تشكيك بوجود الخالق ولماذا نصلي؟ ولماذا نصوم؟ الأمر الذي يستوجب مشاركة الجهات الحكومية والخاصة المعنية لتحصين المجتمع بأكمله من هذه الثقافة الدخيلة»..
هذه كلمات من بعض ما صرحت به مراقبة الخدمة النفسية في وزارة التربية الدكتورة منيرة القطان في معرض حديثها عن السلوكيات المنحرفة عند بعض بنات الثانوية كما نشر في صحيفة «الراي» بتاريخ 27 مارس 2017.
تساؤلات الطالبات وشكوكهن ليست بالجديدة فقد أشبعت بحثاً وإجابة من القِدم وبعمق تأصيلي.
لكن المهم والمطلوب كيف نتعامل مع تساؤلاتهن وتساؤلات جيل الألفية الثالثة.
قرأت خبر الطالبات واستشكالاتهن الفكرية فيما يخص أصول الدين وأنا منهمك في التحضير والإعداد لبرنامج بعنوان «اسأل ولا تخف.. ولا تتردد»
أناقش فيه تساؤلات الجيل الجديد الخاصة بأصول المعرفة الإنسانية.
ولا يقتصر البحث على مجرد الإجابة المفصلة على الشكوك والتشكيك، وإنما يلقي الضوء على:
1- تشخيص الواقع الفكري ومكوناته وتحولاته مما يكشف لنا الإجابة على سؤال، لماذا ولدت هذه التساؤلات؟ وهل التساؤلات الخاصة في أصول الإيمان حرام أو عيب أو خطأ أو خروج على المألوف وتمرد على السائد والمتفق عليه؟ وهل كبت الأسئلة وحبسها في النفس هو الأصح؟!
2- تصنيف المتسائلين ومستوياتهم:
فهنا سؤال الشك المنهجي؟ والشك الاستيثاقي؟ والشك الاستيضاحي؟ والشك الوسواسي؟ والشك العبثي؟ الشك السفسطائي ؟
فمعرفة الدوافع النفسية والمصلحية والشخصية في أسئلتهن المعرفية التي كثيرا ما يكون ظاهرها استفهامات فكرية بحتة لكن واقعها الحقيقي غير ذلك.
3- شرح (المنهج العلمي) في البحث عن الحقيقة (نظرية المعرفة) وهذا ما تحتاجه مناهجنا في التربية الإسلامية، ليس فقط في المرحلة الثانوية بل وفي الكليات الشرعية الجامعية،
قواعد العقائد، المنطق، درجات اليقين، مفهوم العلم…
وبناء عليه يتعلم الطلبة كيف يسألون وكيف يشخصون السؤال؟ ما يعينهم على تصنيف السؤال وإلى أي حقل معرفي ينتمي (التجريبيات، العقليات، المتواترات الـ … )
كي تسهل الإجابة عليه.
ونناقش معهم: متى يكون السؤال سؤالا ؟ فكثيرا من
الأحيان يكون نصف الجواب في تصحيح السؤال؟
ديننا مبني على البرهان وليس كما يتوهم البعض أن الدين مجرد غيبيات يستسلم لها الإنسان ولا تستند إلى يقين عقلي !!
ولقد أعجبني البروفسور جيفري لانغ الملحد الأميركي أستاذ الرياضيات الذي طلق الكاثوليكية بعد أن امتحنها وسلط عيها أشعة عقله وظل 11 عاما ملحدا إلحادا عقلياً صارما جافا ثم أسلم في قصة طويلة شرحها في كتابه ( انطباعات أميركي اعتنق الإسلام )، أعجبني عندما سمى كتابه الآخر (حتى الملائكة تسأل) مستوحيا عنوان كتابه من سؤال الملائكة لله سبحانه كما في القرآن:
(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)
فإذا كانت الملائكة تسأل رب العالمين وهي المفطورة على العبادة والمنزهة عن الاعتراض فكيف بالإنسان؟
إن السؤال والتساؤل والتأمل والدهشة والتحليل والتأويل والتفسير وعشرات العمليات العقلية هي من خصيصة هذا الإنسان المكرم بالعقل المميز المُختار؟
ومن كانت تساؤلاتهم بحثا عن الحقيقة وليس شغبا ولا عبثا فسيصلون إلى شاطئ اليقين؟
فمرحبا بتساؤلات بناتنا وأبنائنا التي تضيف إلينا الكثير والتي تسعى إلى تثبيت الإيمان بيقين في ذات الإنسان وأعماقه.