«مراجعات شجاعة… عودة الوعي» عنوان ورقتي وكذلك الورشة النقاشية التي شاركت بهما على مدى يومين ضمن برنامج مؤتمر منظمة «فور شباب» العالمي الرابع المنعقد حاليا والذي أقيم في القاهرة بحضرة المئات من الشباب العربي الواعد.
هذا المؤتمر الذي حمل عنوان «جيل القدوة والقيادة» تطلب مني إعداداً وجهدا خاصاً يليق بهذه النوعية المتميزة من الحضور وقبلها بتلك النخبة الفكرية المتنوعة من العالم الإسلامي التي لطالما عرفت بأطروحاتها المستنيرة العميقة.
وانسجاماً مع العنوان الذي اخترته لورقتي فقد قمت بجولة (بانورامية) في تاريخ أكثر من عشرين من قادة ورموز الفكر والثقافة والرأي المعاصرين في عالمنا الإسلامي ممن شطحوا عن الجادة فآمنوا بمجموعة من المفاهيم الصادمة لعقيدتنا والأيديولوجيات المادية المناقضة لديننا، بل وكانت لبعضهم تجارب شك في أصل هويتهم وحضارتهم بلغت عند جمع منهم حد الجحود والتشكيك بوجود الخالق.
وعليه فقد قسمتهم إلى خمس مجموعات هي: (المتشككون، المأدلجون، العلمانيون، التغريبيون، الملحدون) ورغم التداخل الحاصل في هذه التصنيفات أحياناً لدى بعض النماذج المختارة ممن شملتهم ورقة البحث، إلا أننا وصفنا الشخصية بما يغلب عليها، فتوزعت أسماؤهم على ذلك التصنيف الخماسي، وكان ممن تناولتهم الدراسة: زكي نجيب محفوظ، عبدالرحمن بدوي، محمد جلال كشك، علي عزت بيخوفيتش، محمود شاكر، شكري عياد، طه حسين، مصطفى محمود، عبدالوهاب المسيري، علي عبدالرازق، محمد حسين هيكل، فاضل السامرائي، أحمد الصافي النجفي، منصور فهمي، وخالد محمد خالد، منير شفيق، زكي مبارك، اسماعيل مظهر، وعادل حسين وغيرهم.
وبعد مقدمة تأصيلية عن قيمة المراجعات الفكرية والحاجة إليها ودلالتها المتعددة، استعرضنا نماذج منها، وأوضحنا كيف أن نجوميتهم الرفيعة ومواقعهم الأدبية المتقدمة لدى النخبة والناس لم تمنعهم من المجاهرة بالاعتراف بالخطأ جهاراً نهاراً على الملأ، بل ورفدوا المكتبة العربية بسيل زاخر من المؤلفات والكتابات الأصيلة التي قوضت واستدركت وأحياناً تبرأت مما كانوا روجوا ودعوا إليه، فعززوا الدعوة إلى قراءة منصفة راشدة للدين والتراث بعيدة عن شطحات المغرضين ونقية من شبهات المستشرقين ودسائس المدلسين وتجاوزوا إيحاءات الهزيمة النفسية.
وعندما تطرقت إلى تجربة الأديب الناقد محمود شاكر وتجربة شكه في دينه وأصالة تراثه، وحيرته وتشتته بين المناهج والمذاهب الأدبية والدينية المتناقضة، ومن ثم يقظته وتجاوزه مرحلة الشك إلى اليقين.
حتى اشتهر بـ (حارس الثقافة الإسلامية) كما قرر صاحب كتاب (قمم وأفكار).
وكان مما نقلته في محاضرتي من كلمات محمود شاكر في كتابه (أباطيل وأسمار) قوله: (نعم… أنا عدو للثقافة الغربية)، ثم إلحاحه على التفريق بين العلم والثقافة، مؤكداً الحاجة إلى الاول أي العلم ونقد الثاني اي الثقافة.
واستشهد على قناعته في العلاقة اللزومية بين ثقافة قوم ودينهم بما جاء في كتاب (ملاحظات نحو تعريف الثقافة) للأديب البريطاني (إليوت) الحائز على جائزة نوبل.
وكان أول سؤال وجه إليّ في ورشة النقاش الشبابي المشارك في المؤتمر عن كيفية التعاطي مع الثقافة الغربية وفهم الفرق بينها وبين العلم، ووجهوا إلي سؤالا مباشراً (هل أنت مع محمود شاكر في العداء للثقافة الغربية؟!!).