ما الفائدة من إحياء وذكر أحداث تاريخية مضى عليها قرابة 14 قرنا من الزمان؟ ولماذا نكون أسرى لوقائع دامية ليست من صنعنا؟ وهل اجترار الماضي المأسوي يصب في صالحنا العام ويساهم في التقدم ولو لخطوات إلى الأمام الذي ينفع؟ أليس واقعنا مليئا بالتحديات الواقعية – وليس التاريخية – تحديات المعيشة وفرص العمل، تحديات الاحباطات وأشكال الفساد العام، تحديات الاحتراب التي تطوف حولنا في المنطقة والاحتقانات الداخلية بأشكالها السياسية وغيرها؟!! هذه بعض الأسئلة المنطقية والمعقولة التي توجه إليَّ من المهتمين والمتابعين للمشهد الثقافي الإعلامي الذي نشارك فيه فضائيا، وهي تساؤلات تنم عن نفوس تحمل هما عاما ولا تعيش هم طائفة أو مذهب أو مدرسة فكرية خاصة… واجاباتي أن هذه التساؤلات سواء كانت استفهامية للاستيضاح أم استنكارية، تجول في بالي أنا أيضا عندما أرى إثارة ما اعتقد أنه لا يجب اثارته، ولكن أليس التاريخ الذي لا نريد أن نكون له أسرى… أحداثه محفورة في ذاكرتنا وتؤثر في تصوراتنا عن الحق والباطل، الخير والشر، العدل والظلم، أليست أحداثه تؤثر في وجداننا وتنعكس على نظرة بعضنا لبعض (كانتماءات موجودة) وتصل نظرتنا للمخالفين أحيانا الى درجة التصنيف الجائر الذي يدفع بعضنا إلى اقصاء الآخر بشدة، وبخسه حقه، بل الفرح بمصابه، إن لم تصل أحيانا إلى المشاركة في ابادته والتخطيط لمثل هذه الوحشية.
وإذا كان الوضع قبل ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل مسألة توظيف التاريخ – الديني والسياسي والمذهبي – مقصوراً في بيئات مغلقة فإن الوضع اليوم بعد التحولات السياسية المتصلة بالانفتاح الإعلامي الهائل ما عادت تخفى على أحد، وفوق ذلك دخل التاريخ بصورته الشعبية العاطفية المشحونة ما جعل النفسيات تغلي، وتريد متنفساً لتفريغ هذه الشحنات، فمن هو الشاحن والمشحون والذين هم محط افراغ الشحنات!! لذلك إذا كان البعض يؤثر السلامة ويفضل عدم الدخول في مثل هذه الموضوعات الملتصقة بصميم شخصيتنا التي تجمع تناقضات الوعي واللاوعي للأصالة والمعاصرة معا.
فإننا نرى من الواجب علينا اقتحام هذه المسالك الوعرة وتحمل نتائج هذا الاقتحام، فإن رجل الاطفاء لا يمكن أن ينجز مهمته في اخماد الحرائق دون ان يصيبه شيء من شررها أو دخانها! ان الواقعية تحتم علينا فتح ملف التاريخ باجتهاد نرجو أن نقترب فيه من الحقيقة ان لم نصل إليها، ونحرك أهل العلم والاهتمام بالمساهمة لاثراء الحوار الذي نتناوله.
وأحد أهم الأحداث التاريخية التي انعكست عقائديا ومذهبيا وسياسيا على الأمة الاسلامية، الفترة الزمنية التي تولى فيها يزيد بن معاوية الحكم، ولقد تناولت هذه المرحلة ليس سرداً تاريخياً مجرداً وانما وقفات في أربع حلقات مع الداعية السيد حسن الحسيني من جمعية الآل والأصحاب البحرينية على قناة «الراي» في برنامج قذائف في شهر محرم الماضي وطوال الحلقات لم نذكر كلمة شيعة أو سنة انما نتكلم عن الاحداث ونؤصل لها من حيث صحة الروايات وقواعد الفهم السليم وابداء رؤية غير مطروحة أو منسية في قصة مأساة الإمام الحسين – رضى الله عنه – وتداعياتها والقاء الضوء على جوانب للمرة الأولى يسمعها عامة المسلمين عن جهاد الحسين الطويل وموقفه من كبار الصحابة، وكانت أربع دقائق من الحلقة الأخيرة أشبه بالصاعقة على كثير من المسلمين سنة وشيعة ألا وهي تلاوة السيد الحسيني فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله التي فاجأت الكثيرين بحرمة حب يزيد لأنه فاسق ظالم!! ما هو نص كلامه في الفتوى؟ وما دلالة صدمة البعض بها؟ وهل هو الوحيد الذي يقول ذلك أم أنه عبَّر عن جمهور الفقهاء والمحدثين والمفسرين؟ الجواب في المقال المقبل بإذن الله.
د.محمد العوضي